دور التعليم التكنولوجي في تحقيق الاستراتيجية
الإسرائيلية
بلغ متوسط نصيب الفرد في معظم البلدان العربية
في بداية التسعينات من القرن العشرين حوالي 340 دولاراً مقابل قرابة 2500 دولار في
إسرائيل و6500 دولار في البلدان الصناعية.
من هنا
أدركت المؤسسة العلمية الاسرائيلية أن التنمية الشاملة لأية دولة تتوقف على عناصر
ثلاثة: أولها: الوعي بمشكلة التخلف وأبعادها. وثانيها: الوعي بضرورة القضاء على مشكلة التخلف والتخلص منها. وثالثها: الوعي بأساليب
القضاء على ظاهرة التخلف، بالإضافة إلى وجود فكر أو فلسفة أو عقيدة توجه وتنظم
مسار حركة الأفراد في المؤسسات العلمية.
وقد بلغت
نسبة العلماء والتقنيين في إسرائيل 76 لكل 10 آلاف شخص في العام 2000
لذا تتمتع بعدد يفوق غيرها كثيراً في نشر البحوث في
مجالات العلوم الطبيعية والهندسية الوراثية مما أسهم في خلق بيئة علمية اعترفت
فيها بالباحث المتفرغ كعضو في المجتمع له دوره المهم.
ويلعب
التمويل الخارجي، أيضاً دوراً مهماً في دعم أنشطة البحث والتطوير في إسرائيل، حيث
إن 40% من ميزانيات البحث العلمي تأتي من مصادر خارجية على رأسها الولايات المتحدة
الأميركية تليها ألمانيا، ثم فرنسا والاتحاد الأوروبي.
ولا يرى
المرء في المقابل سوى تردي في نوعية التعليم في البلدان العربية، ذلك لأن نظم
التربية في الدول العربية يقوم التعليم فيها وفقاً لطاقة التعليم المتاحة، لا
وفقاً لحاجة المجتمع الفعلية، ويجري العمل في ظل فلسفة تربوية تضع حواجز بين
المعارف النظرية والعملية، مما أدى إلى وجود خلل جوهري بين سوق العمل وعملية
التنمية من ناحية، وبين ناتج التعليم من ناحية أخرى. أما التركيب البنيوي للعلم
والتكنولوجيا في إسرائيل قبل وبعد قيام الدولة فإنه ينطلق على أساس خلق استراتيجية
مؤداها التقدم على جبهة واسعة تهدف إلى تحقيق قفزة صناعية جديدة، سواءً في
الصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة، أو الصناعات كثيفة العمالة.
وقد أعطت
الآيديولوجية الصهيونية دفعة قوية لخلق مفاهيم علمية، وتأسيس لبنات جديدة للبحث
العلمي الحديث، والتحديث التكنولوجي، وتدريب أجيال حديثة من العلماء.
ومن أجل
تأصل المنهجية العلمية في الفكر الصهيوني ومراحله أولت إسرائيل اهتماماً خاصاً منذ
بداية إنشائها بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والطبيعية والاجتماعية، لوعيها بأن
العلوم الفيزيائية والكيميائية والطبيعية تتيح الهيمنة على العالم وتحويل مساره،
وأن العلوم الاجتماعية تخضع الحياة الاجتماعية لوعي وفعل الإنسان، من خلال تسلحه
بوسائل ثقافية لتحقيق وحدة الفكر والفعل.
ومنذ عام
1949 تأسس معهد الجيولوجيا ومعمل الفيزياء الوطني في 1950 ومعهد تيلة القطن ومعهد
النقب لبحوث المناطق الصحراوية وجامعة بار إيلان.
واحتلت
البحوث الخاصة بقوات الدفاع أهمية عظمى فتم إنشاء القسم العلمي في الهاجاناة،
وشعبة الأبحاث والتخطيط في وزارة الدفاع لمسح صحراء النقب، وكشف ما تحتويه من
يورانيوم كأحد المكونات الأساسية للقنبلة الذرية.
وفي فترة
التسعينات بدأت موجة جديدة من الهجرة إلى إسرائيل أعادت إلى الأذهان موجات الهجرة
التي سبقت تأسيس الدولة وتشير التقديرات إلى أنه من بين كل مائة ألف مهاجر سوفياتي
وجد نحو 11 ألف مهندس، و2500 طبيب، و1700 عالم في مجال الأسلحة الكيميائية
والبيولوجية والليزر والمعدات الالكترونية.
وتضم
السياسة الحكومية لبرامج البحث والتطوير العلمي اللجنة الوزارية للعلوم
والتكنولوجيا، ووزارة العلوم والتكنولوجيا، كما تعزز في اللحظة نفسها مجالات النشر
العلمي ولو قدرنا عدد العلماء الذين ينشرون بحوثاً، مقارنة بعدد السكان، لتبوأت
إسرائيل المكانة الأولى بنسبة 11,7 لكل عشرة آلاف نسمة وتسبق كلاً من الولايات
المتحدة الأميركية ومعدلها 10، وانجلترا ومعدلها 8,4 .
ويتناول
الكتاب القدرات المؤسسية لبرامج البحث والتطوير الوطنية مثل هيئة الطاقة الذرية
الإسرائيلية ومؤسساتها التي تدير المعهد الإسرائيلي للإشعاع والنظائر الذي تأسس
عام 1952 ويقوم بتحضير المحاليل المشعة التي تستخدم في التجارب المائية والطبية
والزراعية والهندسية، كما يضم مختبرات فيه أحدث الأجهزة الخاصة بالأبحاث والتجارب
النووية.
ولم تفوت
إسرائيل إقامة علاقات بحثية مع الدول المتقدمة علمياً من بين دول العالم الثالث
بهدف الاندماج مع كثير من دول العالم مثل برامج التطوير الإسرائيلية الأميركية،
الألمانية، البريطانية، الفرنسية، الروسية، اليابانية، الصينية، الكورية الجنوبية،
التركية. وتنتسب إسرائيل اليوم لنحو 21 اتحاداً علمياً
دولياً، ولا تنقطع الزيارات المتبادلة بين علماء إسرائيل وعلماء العالم منذ قيام
إسرائيل حتى الوقت الراهن.
وأدركت
المؤسسات الإسرائيلية أهمية الإطلاع على ما يجري من أبحاث في البلدان الأخرى،
ضرورة لا بد منها وقادها ذلك إلى وضع برنامج خاص بالترجمات العلمية كما اهتمت
بترجمة الأدب العبري وتاريخ العبرية، بهدف إحيائها واستعمالها لغة موحدة للحديث
داخل الدولة، ثم لاحتياج إسرائيل إلى وظائف تكنولوجية علمية جديدة مما يتطلب زيادة
المدارك المعرفية لكل إسرائيلي، وأخيراً تطوير بحوث الدول المتقدمة، وتطبيق
تجاربهم العلمية للإسهام في وتيرة الابتكار والإبداع داخل إسرائيل.
ويتناول
الفصل الثالث مجالات «البحوث الاستراتيجية» العلمية والتكنولوجية، وتشمل تكنولوجيا
المعلومات والالكترونيات الدقيقة، تكنولوجيا صناعة الفضاء، تكنولوجيا الصناعات
العسكرية، وتدخل هذه المجالات ضمن« البحوث الاستراتيجية" التي تعرفها وزارة
العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية بأنها البحوث التي يمكن القيام بها لتحقيق
الاستثمار، أو الاستغلال الأمثل للثروة الكامنة. وتأسست من أجل ذلك لجنة تعرف باسم
«اللجنة التنفيذية القومية لتطوير البحوث الاستراتيجية» تتولى تحديد المجالات التي
لها الأولوية القومية في الدولة، ومساعدة وزارة العلوم في تحديد المجالات التي
ستعود بالنفع على إسرائيل، والاستفادة من المحاولات الناجحة التي تمت في العالم المتقدم.
وسعت
إسرائيل في هذا السياق إلى استثمار تكنولوجيا المعلومات في الحقل التربوي على نحو
يهدف إلى «تثوير» نظم التعليم لكي تتلاءم مع لغة الحاسوب، في مناهج جميع المراحل
الدراسية، إجراء البحوث اللازمة لإنتاج الحاسب الآلي المحمول الذي يعمل بطريقة
برايل، تنظيم جامعة تل أبيب لمشروع «حق المجتمع في المعرفة» ووفقاً لهذا المشروع
أصبح في مقدرة كل طالب لديه جهاز كومبيوتر أن يشترك دون مقابل مالي في المشروع، مع
الحرص على تقديم البرمجيات التعليمية والنصوص الدراسية الملائمة للوسط الاجتماعي
والثقافي والمواكبة في الوقت نفسه للتقدم الذي يشهده العالم، سواء في الرياضيات والبيولوجيا
والاقتصاد.
No comments:
Post a Comment